عبد الكريم الخطابي (1300هـ – 1 رمضان 1382هـ = 1882 – 1963م)
هو قائد وطني, وزعيم المقومة المغربية في الشمال,
خلال الفترة ( 1919- 1929), وكان قائد الحرب الوطنية ( حرب الريف الشهيرة), وهو قيادي بارز ضد الاحتلال الفرنسي - الأسباني للمغرب.
النشأة
ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي في بلدة أجدير بالمغرب الأقصى سنة (1300هـ= 1822م (
نشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده الذي كان يتزعم قبيلة بني ورياغل. تلقى تعليمه في جامعة القرويين؛ حيث درس العلوم الشرعية واللغوية. تولى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة.
الحرب العالمية الأولى
انخرط في النظام الحكومي الاسباني، وعـُيـِّن كبير قضاة مليلية في عام 1914.
وأثناء الحرب، عاقبت السلطات الاسبانية عبد الكريم لأنشطته المناهضة للاستعمار (بتهمة التآمر مع القنصل الألماني د./ ڤالتر زشلن (1879 - 1962)). وسـُجن في شفشاون من 1916 إلى 1917. وبنهاية الحرب، استعاد عبد الكريم منصبه لفترة قصيرة في الصجيفة، إلا أنه، خوفاً من تسليمه للفرنسيين لنيل عقابه منهم، سرعان ما عاد إلى بلدته أجدير في يناير 1919. وقد أزعجه ظهور العملاء الاسبان في منطقة بني ورياغيل وصمم على القتال للاستقلال. وثمة سبب آخر للاستفزاز وهو فقدانه راتبه واستبعاد السلطات الاسبانية له من كونسورتيوم غير رسمي لحق التنقيب عن المعادن. وفي العام التالي، بدأ عبد الكريم، مع والده وأخيه، حرب التمرد ضد الاسبان. وقد أصبح هدفه آنئذ توحيد كل قبائل الريف في جمهورية الريف المستقلة.
حرب الريف
المقال الرئيسي: حرب الريف
وقاد ثورة الريف ضد الإسبان. حقق انتصارًا عسكريًّا هائلاً على الإسبان في معركة أنوال سنة 1921م. أقام جمهورية الريف، ووضع لها دستورًا، وأسس لها جمعية وطنية. اجتمعت فرنسا وإسبانيا على حربه، وتمكنا من هزيمة قواته. اضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى الاستسلام للقوات الفرنسية.
تم نفي الأمير إلى ريونيون، إحدى جزر المحيط الهندي، سنة 1926م وظل بها أكثر من عشرين عامًا. التجأ الخطابي إلى القاهرة سنة 1947م، واتخذها وطنًا له. وفي فترة إقامته بالقاهرة كان يتابع نشاط المجاهدين من أبناء المغرب العربي من خلال لجنة تحرير المغرب، التي أسسها
وتولى رئاستها
. ظل الخطابي مقيمًا بالقاهرة حتى وفاته سنة (1382هـ= 1963م (.
خلفية
مجلة التايم, 17 اغسطس 1925
تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب التي كانت تعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية، وترتب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مراكش خاضع للسيطرة الإسبانية، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يعرف ببلاد الريف، وغربي يعرف بالجبالة، وتمتد بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ميلاً، وتمتد عرضًا لمسافة 25 ميلاً، وتسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري، يأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي معظمها إلى أصل بربري، يأتي في مقدمتها قبيلة بني ورياغل، التي ينتمي إليها الأمير الخطابي، الذي قاد الثورة ضد الإسبان، وأقام دولة ناشئة، وحقق انتصارات عظيمة.
من القضاء إلى إشعال الثورة
كان الأمير الخطابي في التاسعة والثلاثين حين تولى مقاليد الأمور في منطقة الريف، قد حنكته التجارب، وأصقلته الأيام، ووحد هدفه، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم على القيام به من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال "سلفستر"- قائد قطاع مليلة- يزحف نحو بلاد الريف؛ ليحكم السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يحذر الجنرال "سلفستر" من مغبة الاستمرار في التقدم، والدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية، لكن الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير، واستمر في التقدم ممنيًا نفسه باحتلال بلاد الريف.
كانت قوات الجنرال الإسباني تتألق من أربعة وعشرين ألف جندي مجهزين بالأسلحة والمدفعية، ولم تصادف هذه القوات في زحفها في بلاد الريف أي مقاومة، واعتقد الجنرال أن الأمر سهلاً، وأعماه غروره أن رجال عبد الكريم الخطابي يعملون على استدراج قواته داخل المناطق الجبلية المرتفعة، واستمرت القوات الإسبانية في التقدم وتحقيق انتصارات صغيرة؛ حتى احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ= 15 من مايو 1921م(.
بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلها الإسبانيون، وحاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا، وفشل الجنرال في رد الهجوم، أو مساعدة المواقع المحاصرة، وأصبحت قواته الرئيسة، التي جمعها في "أنوال" مهددة، بعد أن حاصرها وطوقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقواته اصطدم بقوات الخطابي في (16 ذي القعدة 1339هـ= 22 يوليو 1921م) في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية؛ حيث أبيد معظم الجيش المحتل، وأقر الإسنان بأنهم خسروا في تلك المركة 15 ألف قتيل يتقدمهم الجنرال "سلفستر"، ووقع في الأسر 570 أسيرًا، غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين.
ما إن زاع خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة (أنوال)، حتى هبت قبائل الريف تطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمض أسبوع إلا وقد ظفر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة "تطوان" وبعض الحصون في منطقة الجبالة.
من الثورة إلى بناء الدولة
بسط الأمير الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الإسبان عنه، واتجه إلى تأسيس دولة منظمة دون أن يتنكر لسلطان مراكش، أو يتطلع إلى عرشه بدليل إنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة.
وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشق الطرق ومد سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته.
وفوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة، وتم تشكيل مجلس عام عرف باسم الجمعية الوطنية، كان أول قرارته إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد.
صدى الهزيمة في إسبانيا
(1342هـ= 1923م) سنة بريمودي ريفيرا" " كان من أثر هذه الهزيمة المدوية أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة
، لكن هذا لم يغير من حقيقة الأوضاع في المغرب، ولم تعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب؛ الأمر الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة الجهاد ضدها، فقام بهجوم عام سنة 1924م على مدينة "تطوان"، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها، واضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية، والتمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم "الجبالة"، في أواخر سنة (1343هـ 1924م (
بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي.
سياسة فرنسا مع الخطابي
فوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، وكانوا يتمنون غير ذلك، كما فجعوا بانسحاب القوات الإسبانية من إقليم جبالة كله؛ ولذا قرروا التدخل في القتال ضد الخطابي ولمصلحة الإسبان، وكانت فرنسا تخشي من أن يكون نجاح الخطابي في ثورته عاملاً مشجعًا للثورات في شمال إفريقيا ضدها، كما أن قيام جمهورية قوية في الريف يدفع المغاربة إلى الثورة على الفرنسيين ورفض الحماية الفرنسية.
واستعرت فرنسا لمحاربة الخطابي بزيادة قواتها الموجودة في مراكش، وبدأت تبحث عن مبرر للتدخل في منطقة الريف، فحاولوا إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرة بالتدخل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات؛ حتى لا يحارب في جبهتين، ويكتفي باستنكار العدوان على الأراضي التابعة له، ثم قام الفرنسيون بتشجيع رجال الطرق الصوفية على إثارة بعض القلاقل والاضطرابات في دولة الريف، فلما تصدى لهم الأمير الخطابي تدخلت فرنسا بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال بين الخطابي والفرنسيين في (رمضان 1343هـ= إبريل 1925م)، وفوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد الذي عليه قوات الأمير الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأصيبت بعض مواقعهم العسكرية بخسائر فادحة.
استسلام الأمير عبد الكريم الخطابي
لم يعد أمام الدولتين الكبيرتين (فرنسا وإسبانيا) سوى أن يجتمعا على حرب الأمير الخطابي، وأُعد لهذا الأمر عدته بالإمدادت الهائلة لقواتهما في المغرب، والإنزال البحري في مكان قرب (خليج الحسيمات)، الذي يمتد في قلب بلاد الريف، وأصبح على الأمير الخطابي أن يواجه هذه الحشود الضخمة بقواته التي أنهكها التعب والقتال المستمر، فضلاً عن قلة المؤن التي أصبحت تهددها.
وبالإضافة إلى ذلك لجأت فرنسا إلى دعم موقفها في القتال، فأغرت السلطان المغربي بأن يعلن أن الخطابي أحد العصاة الخارجين على سلطته الشرعية، ففعل السلطان ما أمر به، كما قامت بتحريض بعض قبائل المجاهدين على الاستسلام، فنجحت في ذلك.
وكان من نتيجة ذلك أن بدأت الخسائر تتوالى على الخطابي في المعارك التي يخوضها، ويمكن الإسبان بصعوبة من احتلال مدينة أجدير عاصمة الأمير الخطابي، ثم تمكنت القوات الإسبانية والفرنسية من الاستيلاء على حصن (ترجست)، الذي اتخذه الأمير مقرًّا له بعد سقوط (أغادير) في (11 ذي القعدة 1344هـ= 23 مايو1926م(.
واضطر الأمير "عبد الكريم الخطابي" إلى تسليم نفسه إلى السلطات الفرنسية باعتباره أسير حرب بعد أن شعر بعدم جدوى المقاومة، وأن القبائل قد أُنهكت، ولم تعد مستعدة لمواصلة القتال.. وقد قامت فرنسا بنفي الأمير المجاهد إلى جزيرة نائية في المحيط الهندي.
وفي تلك الجزيرة عاش الأمير المجاهد مع أسرته وبعض أتباعه أكثر من عشرين عامًا، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن، وفشلت محاولاته لأن يرحل إلى أية دولة عربية أو إسلامية.
الإقامة بالقاهرة
وفي سنة (1367هـ= 1947م) قررت فرنسا نقله إليها على متن سفينة، فلما وصلت إلى ميناء بورسعيد
تمكَّن بعض شباب المغرب المقيمين في مصر من زيارته على متن السفينة، ورجوه أن يتقدم باللجوء إلى مصر ليواصل مسيرة الجهاد من أجل تحرير المغرب، فوافق على هذا الرأي شريطة أن توافق الحكومة المصرية على طلبه، كما لاقاه وفد من جماعة الإخوان المسلمين مرحبين به.
وتمت الموافقة على طلبه على الرغم من احتجاج السفير الفرنسي في مصر، وبدأ "الخطابي" عهدًا جديدًا من النضال الوطني من أجل تحرير بلاده، وأسس مع أبناء المغرب العربي لجنة أطلقوا عليها "لجنة تحرير المغرب العربي"، تولى هو رئاستها في (25 من المحرم1367 هـ= 9 من ديسمبر 1947م).
وفي أثناء إقامته توطدت الصلة بينه وبين الإمام الشهيد "حسن البنا"، وتكررت اللقاءات بينهما في اجتماعات عامة وخاصة. ولما استشهد الإمام "البنا"، كتب الأمير "عبد الكريم الخطابي": "ويح مصر! وإخوتي أهل مصر! مما يستقبلون جزاء ما اقترفوا، فقد سفكوا دم ولي من أولياء الله.. تُرى أين يكون الأولياء إن لم يكن منهم؟! بل في غرتهم "حسن البنا"، الذي لم يكن في المسلمين مثله".
وفاته
ظل الأمير "عبد الكريم الخطابي" مقيمًا في القاهرة، يتابع نشاط المجاهدين من أبناء المغرب العربي المقيمين في القاهرة، ويمدهم بنصائحه وإرشاداته، حتى لقي ربه في (1 رمضان 1382هـ= 6 فبراير 1963م(.
من أقواله
” | إذا تناهى إلى أسماعكم أن الاستعمار أسرني أو قتلني أو بعثر جسمي كما يُبَعثر ترابُ هذه الأرض، فاعلموا أنني حي وسأعود من جهة الشرق. | “ |
.
تروي ابنة المجاهد السيدة عائشة الخطابي كلمة عظيمة قالها والدها رحمه الله قبل تحقيق النصر في معركة أنوال الخالدة:
” | أنا لا أريد أن أكون أميرا و لا حاكما وإنما أريد أن أكون حرا في بلدي حر، ولا أطيق من سلب حريتي أو كرامتي. | “ |
أما بعد الانتصار، فقال في اجتماع مع رجال الريف الذين توافدوا عليه بأعداد غفيرة يريدون إعلانه سلطانا
” | لا أريدها سلطنة ولا إمارة ولا جمهورية ولا محمية، وإنما أريدها عدالة اجتماعية، ونظامًا عادلاً يستمد روحه من تراثنا. | “ |
وقال أيضا:
” | افعلوا بي ما تشاءون، من اليوم، فأنتم ظالمون على كل حال، ولا تنتظروا مني شيئًا، غير هذا. | “ |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire